Statistics

هل سيكون التعداد السكاني القادم في العراق هو الاخير؟

هل سيكون التعداد السكاني القادم في العراق هو الاخير؟

 

في جلسة عمل جادة جمعتنا تهيؤاً لتنفيذ تعداد سكاني جديد في العراق عام 1997 سأل أحدهم؛ هل التعداد ظاهرة حضارية..صعق الجميع واستغربوا سؤاله المستفز...بعد عقدين من ذلك التاريخ صارت الدول تتسابق لمغادرة التعدادات!!! فهل ان الأوان ليحذو العراق حذوها؟

في الوقت الذي بدأت دول عدة مغادرة اساليب العد السكاني، سواء التقليدية منها باستخدام الاستمارات الورقية أوالحديثة باسلوب العد الالكتروني، ومنها دول في منطقتنا، اكتملت قواعد بياناتها الادارية والاجتماعية، فيما صار يعرف بالسجلات الادارية، مازال العراق يحث الخطى لتنفيذ تعداد عام للسكان والمساكن يضاف الى سِفْرِسجل التعدادات السكانية في العراق التي انطلقت منذ مطلع القرن العشرين واستمرت بدورية منتظمة في الاعوام 1927، 1934، 1947، 1957، 1965، 1977، 1987، 1997 (الذي لم يشمل اقليم كردستان). حصل تحول نوعي في اهداف التعدادات. فقد كان التسجيل القيدي للافراد المقترن باصدار ما كان يسمى ب(دفاتر النفوس) في التعدادات الخمسة الاولى التي نفذتها وزارة الداخلية انذاك، والتي كان عدد من سكان مناطق العراق يطلقون على تلك العملية ب(الكرصة) كناية عن الزام الناس البقاء في مساكنهم او مناطق تجمعهم وعدهم فردا فرداً تمهيدا لاصدار الجنسية او دفتر النفوس. كان ذلك يشكل الهدف الرئيس من التعداد، وصار العراقيون يحملون هذه الوثيقة بموجب تعداد عام 1947 وقبلها لعام 1934, ثم بوثيقة جديدة بموجب تعداد عام 1957 والتي ظلت قيودها في سجلات الأحوال المدنية معتمدة حتى يومنا هذا. 

غادر العراق هدف القيد المدني القائم على قاعدة بيانات التعدادات السكانية، واصبحت اهداف التعداد تنموية لا صلة لها بالتسجيل المدني، ولم تعد وزارة الداخلية مسؤولة عن تنفيذ التعداد السكاني منذ عام 1977 وما تلاه وأصبح الجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط هو من ينفذ التعدادات السكانية.

مع التقدم التقني الهائل واستكمال قواعد البيانات الالكترونية وامكانات ربطها ضمن ما صار يعرف بالبيانات الضخمة Big Data، وفرت على الدول جهودأ كبيرة وكلفا عالية، فقد صارعدد السكان والتعرف على خصائصهم الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها متاحا بفضل اكتمال السجلات الادارية والتحديث المستمر لها بدلا من التوقف عند نقطة زمنية تمتد لعقد كامل بعد كل تعداد. 

غير ان ما واجهه العراق من تحديات وظروف عصفت بجهوده الوطنية في تنفيذ تعداد سكاني شامل بعد عام 1987. ومع عدم اكتمال قاعدة بيانات البطاقة الوطنية الموحدة، التي ما يزال قرابة نصف سكان البلد بانتظارها، ومع التحولات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكبيرة، اصبح تامين منظومات معلومات تلبي متطلبات التنمية المستدامة أمراً ملحاً على مستوى الوحدات الادارية الأصغر ليستوعب التغيرات الكبرى في الهياكل الادارية وليبنى عليها لاحقاً في عمليات تحديث مستمر، يواكب المستوى الذي وصلت اليه دول اخرى، ويستعيض عن عمليات العد السكاني، المكتبية والميدانية،  بمنهجيات مقننة ومحكمة لتحديث وتطوير نظام التسجيل الاداري الذي سيشكل خزانة الدولة دون الرجوع الى تعداد سكاني جديد بكل ما يتطلبه من جهود وامكانات وكلف.

من المؤمل ان ينجح العراق في تنفيذ تعداد سكاني، سيكون الاخير في تاريخة على الارجح، تبنى في ضوئه منظومات البيانات الكترونيا، وتغذى قواعدها في المجالات المختلفة دون كبير عناء، لتستكمل بمسوح متخصصة لإدامة منظومات البيانات وتوفير مؤشرات لتقييم الوضع التنموي باتجاهاته المختلفة ومنها بشكل خاص مؤشرات أهداف التنمية المستدامة sustainable development goals, SDG's. 

 


Comments

    No available Comments

Login to leave a Reply

Login